بقلم: محمد طاهر زين – صحفي وباحث
أخطر ما في المحاباة أنها تجعل الناس يفقدون الإيمان بعدالة النظام.” بهذه الكلمات وصف عالم الاجتماع ماكس فيبر أثر المحاباة في أبحاثه عن البيروقراطية.
قد تصنع وسائل الإعلام أبطالاً من لا يستحقون، وتدفن كفاءات حقيقية في زوايا النسيان، لكن هناك ما هو أخطر من الإعلام ، #المحاباة ” هذه الآفة التي تقضي على الأخضر واليابس في موسسات الدولة وتحول الوظائف العامة إلى غنائم توزع على المقربين، بينما يصطف الشباب المؤهلون في طوابير البطالة!
عادت قضية المحاباة أو النيبوتيزم إلى الواجهة مجدداً، خاصة بعد تعيينات البرلمان ومجلس الشيوخ التي لم تحظ باهتمام كبير. ومن باب الإنصاف، يجدر الإشادة بخطوة مجلس الشيوخ في تعيين موظفيه بناءً على الكفاءة، فقد تنافس 150 متقدماً على 6 وظائف فنية من خلال اختبارات متخصصة وشفافة، وهي خطوة تستحق التقدير .
على النقيض، شهد البرلمان تعيينات أخرى تفتقر إلى الشفافية . فقد حصل أبناء سياسيين ومسؤولين كبار على عقود عمل دون مؤهلات كافية ، إذ تبيّن أن بعضهم لم يكمل تعليمه الجامعي! ألا تكرس مثل هذه الممارسات عدم المساواة وتفقد الشباب المتعلمين ثقتهم بمؤسسات الدولة؟
هذه الممارسات ليست جديدة ، فالمحسوبية هي التي دفعت العديد من الشباب المتعلمين إلى التفكير في الهجرة بحثاً عن بيئة عادلة تكافئ الكفاءة. ولم يكن مستغرباً إعلان الأستاذ حسنين جرام عن رغبته في بيع شهادته الدكتوراه للدولة، في إشارة واضحة إلى عدم جدوى المؤهلات العلمية في ظل سيادة المحسوبية على حساب الكفاءة.
هل من مخرج ؟
نعم ، التجارب العالمية تثبت أن التحول من الفساد إلى النزاهة ممكن ، فعلى سبيل المثال، نجحت سنغافورة في الحد من النيبوتزم عبر إصلاحات جذرية شملت:
على غرار سنغافورة، نجحت جورجيا بعد ثورة الورد عام 2003 في تقليل المحسوبية من خلال تفكيك المنظومة الفاسدة بفضل الموظفين الفاسدين، تبسيط الاجراءات الإدارية ورقمنة الخدمات لتقليل التدخل البشري في اتخاذ القرارات.
في إفريقيا، تعتبر رواندا نموذج ملهم ، يلقب بـ ” أيقونة التنمية الأفريقية الحديثة ” بعد الإبادة الجماعية عام 1994، نهضت رواندا من الركام عبر إصلاحات شاملة لمكافحة الفساد والنيبوتبزم، حيث اعتمدت سياسة ” صفر تسامح Zero tolerance policy ” مع الفساد، وأنشأت هيئات مستقلة مثل ديوان المظالم ومكتب المراجع العام، مع قوانين صارمة لتقنين الإنفاق الحكومي، هذه الجهود جعلت رواندا تتصدر الدول الأفريقية في مؤشر الشفافية الدولية عام 2021، وحققت تقدماً اقتصادياً مذهلاً رفع متوسط دخل الفرد 30 ضعفاً خلال عقدين .
وبالتالي، فإن مكافحة النيبوتيزم تتطلب إرادة سياسية قوية، مؤسسات مستقلة، وشفافية تامة. فهل نحن على استعداد لاتخاذ مثل هذه الخطوات لاستعادة ثقة الشباب وتحقيق العدالة والمساواة..؟!