د. عثمان احمد عثمان ، أكاديمي
انطلق الكولونيل إدريس ديبي من الأراضي السودانية لمحاربة حليف الأمس، الرئيس حسين هبري. وفي الفاتح من ديسمبر 1990م، أصبح حاكمًا لجمهورية تشاد بعد قيادته لتحالف الثورات التي تشكلت في بامينا تحت مسمى الحركة الوطنية للإنقاذ MPS، بمساعدة من السودان وفرنسا وليبيا. وفي الخامس عشر من يناير 1993م، عقد المؤتمر الوطني المستقل للتشاديين، الذي أدى إلى تشكيل حكومات انتقالية وصدر عنه دستور عام 1996م. وعقب ذلك جرت انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتم انتخاب ديبي كرئيس منتخب لجمهورية تشاد. في عام 2003م، أصبحت تشاد من الدول المصدرة للنفط، مما أشعل طموح الجنرال ديبي في السلطة. وقام بتعديل الدستور ليسمح له بالترشح مرات أخرى. واندلعت الثورات في البلاد وحدث هجومان على العاصمة إنجمينا في 13 أبريل 2006م و 2 فبراير 2008م. وفي ظل تغير الأوضاع في الحدود الشمالية لتشاد خلال فترة الربيع العربي ومقتل العقيد معمر القذافي، انتشرت ثورات تشادية في الجنوب الليبي، بما في ذلك قوات الFACT. أدى ذلك إلى تفاقم الوضع في الصحراء التشادية وأسفر عن وفاة المشير إدريس ديبي إتنو في 20 أبريل 2021م. تراجعت القوات المهاجمة وتم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي قائد قوات DGSSIE لمدة 18 شهرًا. ووصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إنجمينا للمشاركة في مراسم تأبين المشير ديبي وأعلن دعمه للمجلس العسكري. وحصل المجلس على تأييد مفوضية الاتحاد الأفريقي وتبنت المنظمات الدولية دعم العملية الانتقالية الديمقراطية في البلاد.
يُلاحَظ التغيرات التي تبعت وفاة مارشال تشاد في نقطتين رئيسيتين: المستجدات الداخلية والآثار التي حدثت في بعض الكيانات الأفريقية التي استقلت الوضع التشادي. فيما يتعلق بالمستجدات الداخلية، يُلاحَظ توجُّه المجلس العسكري الانتقالي إلى ضرورة حل مشكلة المعارضة المسلحة والمعارضة السياسية والنقابات العمالية. يعود ذلك إلى التحديات الكبيرة التي تركها مارشال تشاد، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية الناجمة عن سوء الإدارة والمشاركة في الحروب الخارجية بدون تخطيط جيد، وسوء العدالة الاجتماعية الذي أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين القبائل، وأزمة النقابات العمالية التي نشأت بسبب الإجراءات المجحفة المعروفة باسم “16 Mesures”. في الواقع، بدأ ابن ديبي إدارته للأوضاع الداخلية بشكل مرن إلى حد ما، حيث تم توقيع الميثاق الاجتماعي مع النقابات العمالية في 4 أكتوبر 2021، وتم توقيع اتفاقية الدوحة بين المجلس العسكري الانتقالي وحوالي 40 حركة متمردة ومعارضة سياسية في 8 أغسطس 2022. وبعد ذلك، عُقِدَ الحوار الوطني السيادي في 20 أغسطس 2022، الذي شارك فيه حوالي 1400 مشارك، أكثر من نصفهم من حزب MPS. وأثار ذلك شكوكًا حول وفاء الجنرال محمد بوعد التشاديين والمجتمع الدولي بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية. وقد تم اختياره بنهاية جلسات الحوار ليكون رئيسًا انتقاليًا لمدة 24 شهرًا. ومع ذلك، فإن إعلانه الترشح للانتخابات في 6 مايو المقبل كان كما لو أنه نكسة للعهد الذي قطعه سابقًا. وهذا جعل التشاديين يعتبرونه تكرارًا فقط لسياسات والده التي أفضت إلى ضياع تشاد على مدى ثلاثة عقود وتكبُّد الكثير من الدماء. خاصةً عندما عاد بعض أعضاء حزب MPS الذين هربوا إلى الخارج بعد وفاة الرئيس الأب. وبسبب هذا الوضع، والمطبلين والانتهازيون وتجار العطاءات بجميع أصنافهم، ما جعلنا نعتقد بأن مستقبل تشاد بوجود من صدرت بحقهم مراسيم رئاسية بسبب إرتكابهم أخطاء فادحة واختلاس المال العام، لن يكون مشرقا، خاصة أن سياسة التمترس والانطواء بالشعوب في الداخل، قد تغيرت بتغير أسس النظام الدولي، وأن التعاون العسكري مع فرنسا لم يعد منقذا للحكام، إضافة إلى مسألة ارضاء هذه الجحافل التي شاركت في الحملة الانتخابية بهدف العثور على كعك حسب الصفوف والصنوف، كل ذلك سيكون على حساب العدالة الاجتماعية. ولا ننسى فشل نظرية الحكم الوراثي في أفريقيا، منها تجربة جوزيف كابيلا وعلي بونقو، ومحاولتي سيف الاسلام وجمال مبارك، فحتى أولئك الذين وصلوا إلى سدة الحكم لم يقدموا لبلدانهم سوى سوى ضياع الوقت والأموال، لذا فإن تكرار هذه الفكرة سيضيع لتشاد فرصة النهوض من جديد، وسيؤدي إلى مزيد من الأزمات والانشقاقات، خاصة مع ضيق انسداد أفق الحوار الصادق والجاد، والتشبث بالسلطة ولو بإستخدام القوة المفرطة، كل ذلك يضاف إلى الفشل الشامل الذي شهدته جميع القطاعات في الدولة. يضاف كل ذلك إلى أن الحكومة لم تحترم من بنود الميثاق الاجتماعي سوى 13%، وهذا سيؤدي دون شك إلى إندلاع أزمة اجتماعية في الداخل.
وفيما يخص التعامل مع الخارج، فإن التغيرات التي بدأت تعطي أكلها في أفريقيا الفرانكفونية، سوف تتمدد وتؤثر في عملية صنع القرار السياسي الخارجي، بطريقة متزنة تستطيع مواكبة التعامل مع هذه المستجدات التي فرضت نفسها، فنجد تشاد محاطة الآن بنصف حدود مضطربة، والنصف الآخر تمددت فيه روسيا، والأفكار التغييرية التحررية، فهذه جميعها سيكون لا تأثيرها الكبير على الداخل التشادي في مقبل الأوقات، إضافة إلى تفاقم الدين الخارجي، وغياب ثقافة التعامل الاستراتيجي مع أزمات المحيط الاقليمي، وعليه يكون المخرج الوحيد للتوجه السياسي الخارجي لتشاد بين خيارين هما، إما التكيف الايجابي مع فكرة الاستقلال الحقيقي وبناء الدولة بناء حقيقيا، أو الاستعداد للتعامل مع الفوضى الشاملة التي سيكثر فيها اللاعبون.