سعيد أبكر أحمد ـ كاتب صحفي
قرأتُ مقالاً تحليلياً نشره باحث ألماني يدعى هيلغا ديكو يعمل كباحث في الشأن الافريقي في جامعة فرايبورغ في ألمانيا. يبحث المقال في فرص فوز المرشح الرئاسي محمد إدريس ديبي في الانتخابات المزمع عقدها في شهر مايو القادم من خلال 4 أمور قام بها سلفا لضمان فوزه الساحق على المرشحين الآخرين، وقد نشر المقال باللغة الإنجليزية على موقع ذي كونفيرسيشن الإنجليزي.
الدعاية الانتخابية بين ديبي وماسرا
انطلقت الدعاية الانتخابية بشكل رسمي في تاريخ الأحد 14 إبريل 2024 في العاصمة التشادية أنجمينا حيث حشد محمد ديبي أنصاره في ساحة الأمة المقابل للقصر الجمهوري، واجتمع عدد كبير من أنصار الحركة الوطنية للإنقاذ (الحزب الحاكم في تشاد) بينهم عسكريون ووزراء وقادة للأحزاب السياسية يرتدون ألوانا مزركشة من الأصفر إلى الأزرق والأحمر، إذ يحاول الجميع إرضاء مرشح تحالف (تشاد موحدة) محمد ديبي.
في المقابل اجتمع أنصار سيكسيه ماسرا في جنوب العاصمة في جو يثير التحدي، إذ قرر رئيس الوزراء خوض غمار الانتخابات الرئاسية لأول مرة في تاريخه السياسي، وهي المرة الأولى في التاريخ التشادي التي يتسابق فيه رئيس وزراء على رأس عمله مع رئيس الجمهورية في الانتخابات، تبدو خطابات الرجل الأربعيني بأنه شديد التفاؤل لإحراز رقم صعب في عملية الاقتراع التي ستجرى بتاريخ 6/ مايو/ 2024. وستطوي الانتخاباتُ المرحلة الانتقالية التي استمرت زهاء ثلاث سنوات، وقد كان محمد ديبي مهموما بشأن تمديد المرحلة الانتقالية لأطول فترة ممكنة.
كيف استطاع محمد ديبي ضمان الفوز في الانتخابات؟
ترويع التشاديين وتخويفهم
عاش التشاديون حالة من الرعب استمرت 30 سنة مع ديبي الأب، وقد كان ديبي الأب في سنواته الأخيرة أكثر مرونة في التعامل مع التشاديين فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والعفو والصفح عن المعارضين، وعلى الرغم من الأخطاء الكارثية التي حدثت في عهد ديبي الأب على سبيل المثال: اغتيال المعارض ابن عمر محمد صالح عام 2008 إلا أن محمد ديبي أشد عنفا وأقوى فتكا من والده خلال السنوات الثلاثة الماضية، وهناك حادثتين تثبتُ فظاعة تعامل محمد ديبي مع المعارضة وتؤكد بأنه سيعمل على قمع التشاديين في السنوات القادمة.
الحادثة الأولى: قمعه لمظاهرات 20/ أكتوبر/ 2022 والذي يعرف بالخميس الأسود في الأدبيات التشادية، إذ تعرض مئات الشباب التشاديين للقتل بسبب رفضهم تمديد المرحلة الانتقالية، واعتقل آخرون وتعرضوا للسجن من قبل السلطات الحكومية.
أما الحادثة الثانية: اغتيال المعارض يحيى ديلو في مقر حزبه، يعد ديلو أحد السياسيين الشماليين المؤثرين في جمهورية تشاد وقد تعرض لطلقة نارية في الرأس بتاريخ 28/ فبراير/ 2024 ثم أصدرت الحكومة التشادية لاحقا بيانا اتهمت فيه ديلو بمهاجمة الوكالة الوطنية للأمن الوطني.
بناء المؤسسات الدستورية والانتخابية
يستطيع محمد ديبي الظفر في الانتخابات بكل سهولة، لأنه وضع الدستور الجديد وقانون الانتخابات وكلاهما يصب في مصلحته، جرت الموافقة على الاستفتاء الدستوري في شهر ديسمبر 2023، صاغ محمد ديبي المجلس الدستوري والوكالة الوطنية لتنظيم الانتخابات وفق هواه لكي يستبعد من شاء من المشاركة في الانتخابات.
سيقوم المجلس الدستوري لاحقا برفض ملفات المرشحين للرئاسة، وستعمل الوكالة الوطنية لتنظيم الانتخابات بتكريس جهدها لتفوق محمد ديبي، مٌنحت لمحمد ديبي صلاحيات واسعة وفق الدستور التشادي الجديد ومنها: تعيين أعضاء المحكمة الدستورية والوكالة الوطنية لتنظيم الانتخابات.
اختار محمد ديبي شخصيات مشهودة لها بالولاء والطاعة لهذه المناصب، فقد جاء بوزير العدل السابق والمتحدث الرسمي للحركة الوطنية للإنقاذ جان بيرنارد باداري على رأس المحكمة الدستورية، ويعتبر باداري أحد المخلصين لديبي الأبن والحركة الوطنية للإنقاذ التي أنفق في خدمتها عقودا من حياته، بينما اصطفى العجوز المتقاعد من رئاسة المحكمة العليا والعضو الفاعل في الحركة الوطنية للإنقاذ أحمد باتشيريت في منصب رئيس الوكالة الوطنية لتنظيم الانتخابات، وسيعمل الرجلان لاختيار محمد ديبي في الانتخابات وسيمهدان له الطريق بالورود ليكون سابع رؤساء جمهورية تشاد.
الموافقة على المرشحين الرئاسيين
أعلنت الوكالة الوطنية لتنظيم الانتخابات فتح مجال الترشح للسباق الرئاسي في الفترة ما بين 6 ـ 24 مارس واشترطت دفع مبلغ 10 ملايين فرنك إفريقي (ما يعادل 16.285 دولارا أميركياً) في خزينة الدولة، بلغ عدد المتقدمين 20 مرشحاً واختارت الوكالة 10 مرشحين، رُفضت بعض الملفات لأسباب تافهة منها: تقديم وثائق غير صحيحة، اختلاف تواريخ الميلاد، ضياع بعض الوثائق، وتم رفض إحدى الملفات لأن صاحبها قدم صورة شخصية غير واضحة.
وافقت الوكالة على ملف رئيس الوزراء السابق ألبيرت باهيمي باداكي والذي عمل رئيسا للوزراء في الفترة من 2021 ـ 2022. ويعتبر أحد كبار الموظفين الحكوميين البارزين في عهد ديبي الأب.
يريد محمد ديبي تشتيت الأصوات في المناطق الجنوبية لأنه من بين العشرة مرشحين فإن ثمانية من الجنوب، ذلك لأن التشاديين يفضلون التصويت لأبناء مناطقهم، ولأنه يضمن الشمال فإنه يريد تقسيم المناطق الجنوبية بين 8 مرشحين، ويضمن الفوز من الجولة الأولى. يمكن لمحمد ديبي أن يتحالف مع بعض المرشحين في الجنوب حتى يسحق سيكسيه ماسرا ويعلن الانتصار دون أي عوائق، بيد أن هناك أصوات تدعو سكان المناطق الجنوبية لمقاطعة الانتخابات مثل مجموعة الفاعلين السياسيين وتحالف (حان الوقت).
استراتيجية الدعاية الانتخابية
يعتقد جميع المرشحين أنه بإمكانهم الفوز في الاقتراع، ويظهر ذلك جليا أثناء الدعاية الانتخابية، وتبدو مفردات (الماء ـ الكهرباء ـ التعليم ـ الوظيفة ـ أسعار الوقود) هي المسيطرة على معظم الخطابات في الحملات الانتخابية، يستغل محمد ديبي ملف الاستقرار والأمن وكأنه منقذ البلاد من التقسيم والانهيار خلال السنوات الثلاثة الماضية، ونراه عادة ما يكرر هذه الجملة في لقاءاته المتكررة مع الناخبين في الأقاليم.
أنشأ محمد ديبي تحالفا أطلق عليه (تشاد موحدة) تشكل التحالف من 200 حزب سياسي وأكثر من 1000 منظمة غير حكومية لدعمه في الانتخابات.
يتهم المرشحون الآخرون محمد ديبي باستخدام ميزانية الدولة في عملية الدعاية الانتخابية، ويستغل سيكسيه ماسرا فشل محمد ديبي في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن التشادي من أجل حشد أصوات الناخبين، بينما يلقي رئيس الوزراء السابق ألبيرت باهيمي الفشل على محمد ديبي وماسرا ويصفهما بأنهما السبب الرئيسي لفشل مؤسسات الدولة.
يبدو من خلال الأربع العوامل المذكورة بأن محمد ديبي هو الأوفر حظا، وسيكافئ المتحالفين معه كما كان يفعل والده سابقا في الانتخابات البرلمانية التي ستعقد بعد الانتخابات الرئاسية، علما بأن آخر انتخابات برلمانية في جمهورية تشاد عقدت عام 2011.