إسحاق عبدالرحمن ـ كاتب صحفي
في أعقاب التغييرات الأخيرة التي طرأت على المشهد السياسي في غرب ووسط أفريقيا بما في ذلك الانقلابات العسكرية والتغيرات السياسية أصبح مفهوم البانا أفريقيا حاضرة بقوة ، خاصة بعد اعلان التحالف الثلاثي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) إنسحابهم من مجموعة دول غرب أفريقيا ، وتوتر العلاقات بين مختلف دول القرن الأفريقي والأزمة السودانية وصولاً الى فوز الرئيس بسيرو جوماي فاي في السباق الرئاسي الأخير السنغال وهو من أنصار البانا أفريقيا .
بدأت “البان أفريكانيزم” أو حركة عموم أفريقيا كحركة دولية تهدف إلى تشجيع وتعزيز العلاقات التضامنية بين كل الشعوب الإثنية المحلية والجاليات الافريقية في أي مكان في العالم . وتنظر إلى أن جميع الأفارقة ينتمون إلي عرق واحد ويتشاركون في الوحدة الثقافية والسعي إلي تجديد وتوحيد إفريقيا بتعزيز شعور الأفارقة بالانتماء للعالم الأفريقي.
تتجلى روح البانا أفريكانيزم في وحدة أفريقيا والأفارقة وتستند إلى التاريخ الماضي والهوية الثقافية لتجسيد هذه الروح بشكل مبتكر في جميع أنحاء أفريقيا. ففي الأدب، على سبيل المثال، تظهر البان أفريقا في الروايات التي تدمج العناصر الخرافية والتراث مع الواقع. ويستخدم هذا التوازن بين الحقيقة والخيال لخلق قصص تروي تجارب الحياة بطريقة فريدة. يمكن أن تكون هذه الروايات جسرًا يربط بين الماضي والحاضر، مسلطة الضوء على تطور المجتمعات الأفريقية.
ونظرًا لأنها ليست أيديولوجية سياسية معينة ولا تقليدًا فلسفيًا واضحًا يمكن تمييزه، فإنها تختلف حسب الزمان والمكان. وما سيتم تناوله هنا يهتم بجزئية النضال وتوحيد القارة وتحريرها على غرار شعار “أفريقيا للأفارقة” المناهض للإستعمار والهيمنة الغربية.
السؤال الأهم هنا الآن هو: هل ستعود البان أفريقيا للواجهة وإلى أي مدى يمكن تجسيدها بعد التحولات الأخيرة التي حدثت في شتى أنحاء القارة من الانقلابات العسكرية والتحولات السياسية التي نشأت معظمها من مبدأ معارضة الإمبريالية الغربية والتي تعتبر أحد أهم ركائز الحركة.من جانب آخر تعيش القارة على صفيح ساخن من الصراعات البينية والنزاعات الداخلية، إذ تشهد الآن إثيوبيا صراعًا مع جارتيها السودان ومصر بشأن سد النهضة على نهر النيل بالإضافة إلى صراعاتها الداخلية مع إقليم تيغراي وصراعات المغرب مع جبهة البوليساريو بشأن استقلال الصحراء الغربية ، أما الصومال فتوجد بها صراعات داخلية كثيرة بالإضافة إلى صراعها مع إثيوبيا حول الحدود ومياه البحر وصراعات الكونغو الديمقراطية والتنافس الرواندي الأوغندي فيها ومنطقة الساحل المشتعلة بالحركات الجهادية وعدم الإستقرار وغيرها الكثير من الصراعات التي تمتد عبر القارة من شمالها إلى جنوبها تتضمن صراعات داخلية وصراعات مع الجيران والتي قد تضع فكرة الوحدة الأفريقية في خانة الخيالات فحسب أو تأجله إلى زمن آخر قد تتحسن فيها الظروف السياسية والأمنية في القارة.
إضافة إلى كل ذلك فإن إختلاف المفاهيم لدى القادة الأفارقة بإختلاف توجهاتهم وتحالفاتهم السياسية وتعاملهم قد تقف سدة أمام تحقيق الوحدة المنشودة . فمثلاً يرى الأستاذ والباحث في الشؤون الإستراتيجية إدريس آيات بأن “تحالف الرئيس السنغالي الجديد جوماي وعثمان سونكو يحمل طابعاً بانافريقانياً صادقًا يعكس توجهاتهما نحو استعادة السيادة الوطنية في كافة المجالات كما أشاد سونكو بالنضال في مالي والرئيس عاصمي غويتا ووعد بإرسال قوة لدعمه في محاربة آفة التطرف لكن تفسير السيادة الوطنية يختلف بين التحالف الثلاثي وتحالف جوماي/سونكو، حيث ينظرون لاستعادتها بشكل تدريجي ودون الاعتماد على تعاون خارجي بديل لتحقيقه وعلى هذا الأساس بانافريقانيتهما معتدلة بينما للتحالف الثلاثي نهج بانافريقاني أكثر تطرفًا”.
إذن ما زلنا نشهد توجهات وإستراتيجيات مختلفة من القادة السياسيين داخل القارة والمؤمنين نوعاً بالحركة إلا أن كل منهم قد يسعى لتحقيقه بشكل خاص.
ونتيجة لهذه التحولات والتكتلات التي حدثت مؤخراً يمكننا التنبؤ بحدوث وحدات جزئية في بعض مناطق القارة آخذة بعين الاعتبار التنوع الثقافي واللغوي والهوية الإقليمية وبناءًا على المطالب الشعبية لكل دولة غير التكتلات الموجودة مسبقاً والتي تقع معظمها تحت هيمنات خارجية تضغط عليها متى ما شاءت لتبنّي السياسات النوعية كما يحصل دائماً مع الإتحاد الأفريقي والإتحادات المناطقية داخل القارة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم مدونات رفيق عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا الرقم 0023569910101 ( واتساب)