الخرطوم – رفيق إنفو
تشهد العلاقات السودانية الروسية منعطفاً جديداً يتجاوز الطابع العسكري والأمني الذي طبعها لسنوات طويلة، لتنفتح على آفاق اقتصادية وتجارية أوسع. وقد تجسد هذا التحول من خلال توقيع بروتوكول تعاون ومذكرات تفاهم في مجالات النقل والبنى التحتية والمصارف، في وقت يسعى فيه السودان إلى إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة.
بروتوكولات وتفاهمات اقتصادية
أسفرت اجتماعات الدورة الثامنة للجنة الوزارية السودانية الروسية المشتركة للتعاون الاقتصادي في موسكو عن توقيع بروتوكول للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، إضافة إلى مذكرتي تفاهم في مجالي النقل والبنية التحتية والمصارف والبنوك.
وأعلنت وزارة المعادن السودانية في بيان أن روسيا أبدت استعدادها لتقديم التسهيلات للقطاعين العام والخاص للاستثمار في عدد من المشاريع، خصوصاً خلال مرحلة إعادة الإعمار. فيما أكد وزير المعادن نور الدائم طه أن هذه التفاهمات تمثل “مدخلاً لتطوير العلاقات بين البلدين”، مشيراً إلى أن السودان مقبل على مرحلة حساسة بعد الحرب ويحتاج إلى شركاء فاعلين.
وشملت الاجتماعات الفنية قطاعات الطاقة والنفط والمعادن والنقل والبنية التحتية، وخلصت إلى ضرورة تفعيل التعاون بين البلدين وفتح فرص استثمارية أوسع أمام الجانب الروسي.
مباحثات سياسية رفيعة المستوى
إلى جانب الملفات الاقتصادية، بحث رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سبل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، ودعم موسكو لجهود الاستقرار في السودان.
وجاء هذا اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أكد لافروف أن روسيا ستواصل دعم مؤسسات الدولة السودانية، ورفض أي محاولات لتقويض الحكومة الشرعية عبر تشكيل كيانات موازية.
الاتفاقيات وآليات التنفيذ
كشفت رئيسة اللجنة الفنية من الجانب السوداني، وكيل وزارة المعادن الدكتورة هند صديق، في تصريح لـ”رفيق إنفو” أن أعمال الدورة الثامنة بدأت باجتماعات اللجنة الفنية المكونة من الخبراء والمختصين في كافة القطاعات المختلفة من الجانبين.
وأوضحت أن الاجتماعات جرت على مدار يومين وتم خلالها التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة البنى التحتية والنقل السودانية ووزارة النقل الروسية، وكذلك مذكرة تفاهم بين البنك المركزي السوداني والبنك المركزي الروسي في مجال التدريب وبناء القدرات.
وأشارت إلى أن الاجتماعات توصّلت إلى عدة اتفاقات في تفعيل برامج التعاون في مجالات التجارة والتعاون الاقتصادي، الصناعة والنقل وتطوير المدن، المصارف والبنوك، الجيولوجيا والتعدين، الطاقة، العلوم والتعليم، الزراعة والثروة الحيوانية، الصحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام، والتعاون في مجال الفضاء.
تقييم الخبراء وتوقعات مستقبلية
على الرغم من التفاؤل الرسمي، يرى بعض الخبراء أن مخرجات الاجتماعات لم ترقَ إلى مستوى التوقعات. حيث أوضح نائب مدير مركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور الفاتح عثمان محجوب، في حديث لـ”رفيق إنفو” أن “ما تم التوصل إليه لا يتضمن بنوداً واضحة لإعادة الإعمار، وإنما اقتصر على قضايا استثمارية محدودة مثل الأسمنت والتعدين”.
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي والمحلل المالي قاسم الظافر أن السودان يحتاج إلى تحالفات استراتيجية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى السياسي، خاصة بعد توتر علاقاته مع الإمارات. وأوضح أن بروتوكولات التعاون مع روسيا يمكن أن تفتح بدائل لوجستية وتجارية ومالية يحتاجها السودان بشدة.
ويشير الظافر إلى أن البروتوكولات “ستظل حبراً على ورق ما لم تُدعَم بإرادة سياسية وآليات تنفيذية عملية”، مؤكداً أن الحكومة مطالبة بإعداد مشروعات مقنعة وجاهزة.
تحديات وأرقام
بحسب الخبراء، فإن حجم التبادل التجاري بين السودان وروسيا لم يتجاوز 500 مليون دولار في أفضل حالاته، ويتراوح حالياً بين 100 و120 مليون دولار فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي. ويرجع المحللون السبب إلى أن العلاقات ظلت محصورة في الجانب العسكري دون تطويرها إلى قطاعات اقتصادية أخرى.
ويؤكد الخبراء أن البيئة الداخلية في السودان لا تزال مليئة بالتحديات أمام أي استثمار خارجي، أبرزها غياب قوانين واضحة لحماية الاستثمارات، وضعف الأمن والاستقرار، مما يستدعي تطوير العلاقات السودانية الروسية عبر اتفاقية تجارة محكمة واسعة تغطي قطاعات حيوية، مع تشكيل آلية تنفيذية فاعلة لتحويل هذه التفاهمات إلى مشاريع واقعية على الأرض.